الأخ الكريم سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
من دخل المسجد حال رفع الأذان فالأفضل - في حقه - أن يستمع إلى الأذان - أولاً - حتى يتسنى له أن يجيب المؤذن؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلّوا عليّ) متفق عليه. وبعد فراغ المؤذن يشرع في صلاة تحية المسجد وما شاء من نفل فيكون قد جمع بين الحسنيين.
وللجمع بين الحسنيين ينبغي أن يظل واقفا لان تحية المسجد تفوت بالجلوس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم الوارد في السؤال، إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين وقد أخذ العلماء منه كراهية الجلوس قبل أداء تحية المسجد،
أما المسألة الثانية وهي البكاء في الصلاة، فيقول فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين
البكاء مسنون عند سماع القرآن، وعند المواعظ والخطب ونحوها، قال -تعالى-: (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خرّوا سُجّداً وبُكِيّاً)(مريم:58)). وروى أهل السنن عن عبدالله بن الشخير قال: "رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يصلي، وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء". فإذا حصل البكاء في الصلاة لم تبطل إذا كان من خشية الله، وكذا عند سماع القرآن، حيث إنه يغلب على الإنسان، فلا يستطيع رده، ولكن لا يجوز التكلّف في ذلك برفع الصوت عمداً، كما لا يجوز المباهاة بذلك، وقصد الشهرة بين الناس، فإن ذلك كالرّياء الذي يُحبط الأعمال، كما ورد في الحديث: "من سمع سمع الله به، ومن راءى راءى الله به".
وهكذا لا يحسن البكاء تقليداً للإمام أو لبعض المأمومين، وإنَّما يُمدح إذا كان من آثار الخشوع، والخوف من الله -تعالى-، وقد ورد في الحديث: "اقرأوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا". والتباكي هو تكلّف البكاء ومحاولته دون خشوع غالب دافع عليه، وأما الخشوع الكاذب فهو ترك الحركة، وسكون الأعضاء، دون حضور القلب، ودون تدبُّر وتفهم للمعاني والحالات.
وعلى الأئمة وكذا المأمومين محاولة الإخلاص، وصفاء النيّة، وإخفاء الأعمال، ليكون ذلك أبعد عن الرياء الذي يُحبطها، فإن كثرة البكاء بدون دافع قوي، وتكلف التخشّع، ومحاولة تحسين الصوت وترقيقه ليكون مثيراً للبكاء، ليُعجب السامعون والمأمومون به، ويكثر القاصدون له، دون أن يكون عن إخلاص أو صدق، هو مما يُفسد النيّة، ويُحبط الأعمال، وقد يطلع على ذلك بعض من يسمعه. والله علاّم الغيوب.